اعداد : سميحة عبد الحليم
عندما نتحدث عن الزعامة والريادة الإقليمية والعالمية فاننا نتحدث عن القوة الحقيقية والنفوذ وهى
ليست اقوالا وانما حقائق وارقام تتحدث عن نفسها، وهذه هي لغة العصر التي تستخدمها الدول
النامية سابقا الصاعدة حاليا والمهيمنة مستقبلا .
والتنافس الجاري بين الولايات المتحدة والصين على ريادة العالم الجديد يحتدم بصورة معقدة
ومبهمة.
ما الذي يجري بين الصين وأمريكا ؟ هل نحن أمام تغيير في الرؤية والاستراتيجية من كلا البلدين
تجاه الأخرى ،جراء تغير عوامل القوة والضعف الحادثة على الصعد الاقتصادية والعسكرية ؟ وهل
نحن أمام تحول في استراتيجية كلا البلدين بالتحول إلى المواجهة المعلنة بعد أن كان مثل هذا
الاحتمال مجرد تكهن أو توقع ؟وما هي ملفات الصراع الحالية؟
تدور العديد من النقاشات في مراكز الأبحاث والدراسات والجامعات ووسائل الإعلام المختلفة في
الولايات المتحدة، حول هل قرن المحيط الهادي لن يكون هادئاً؟ سؤال برز عقب تصريح قصير
لوزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، اثار جدلا واسعا ، عندما قالت "مثلما كان القرن
العشرون هو قرن المحيط الأطلسي، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن المحيط الهادي،
بالنسبة للولايات المتحدة"، وقد أثار التحول الاستراتيجي الأمريكي باتجاه آسيا والشرق الأدنى من
خلال شراكات آسيوية جديدة، العديد من علامات الاستفهام حول النتائج المترتبة على هذا التحول
الاستراتيجي، وتأثير ذلك على منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
تحول التركيز الأمريكي باتجاه دول آسيا الواقعة على المحيط الهادي أمر أعلن عنه الرئيس أوباما
من قبل ، و في وقت لاحق أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية دليلا استراتيجيا يؤكد علة هذا التوجه
السياسي لأمريكا .و يتضح من هذه الوثيقة قلق أمريكا من النمو العسكري الصيني، و الرغبة
باكتساب الهند كحليف رئيسي في المنطقة .
وواضح ان الصين تنتهج اليوم سياسة جديدة في إنتاج وتصدير المواد الاقتصادية، فهل تستغل ذلك
للصعود على عرش العالم؟.
على الرغم من استمرار التعاون الاقتصادي بين البلدين والاستثمار التجاري العملاق، الا ان
التدخلات والتحركات الأمريكية في القارة الصفراء مؤخرا، أججت الصراع بين أقوى اقتصاديين
في العالم، فربما تريد امريكا تطويق الصين، خصوصا بعدما بدأ النفوذ الصيني يتسع إلى مناطق
مختلفة من العالم، من بينها القارة الأفريقية، وأمريكا اللاتينية، بل امتد أيضاً إلى بعض المناطق في
القارة الأوروبية، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يرون أنه حتى تصبح الصين قوة
عظمى حقيقية، فإن نفوذها الخارجي لا يجب أن يقتصر فقط على القطاعات الاقتصادية، بل ينبغي أن
يتضمن أيضاً وجوداً عسكرياً ملموساً يؤثر في الأحداث والتطورات السياسية الجارية.
ويبدو ان هذا التوجه اثار غضب الولايات المتحدة، ليصبح قُطبا العالم الجديد تحت وطأة الحروب
الباردة.
الصين تنتزع الريادة التجارية من أمريكا
ويبدو ان الهيمنة الأمريكية على التجارة العالمية التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يبدو
أنها تنحدر نحو الأُفُول .. وتَبزغ مكانَها بلاد التنّين.
فقد تمكنت الصين من التغلب على الولايات المتحدة الأمريكية تجاريا خلال عام 2012 لاول مرة في
تاريخها.. ورغم بعض الشكوك في اوساط الخبراء حول استمرارية الديناميكية الايجابية الصينية يتفق
بعضهم على ان قفزة بكين لن تمر دون ان تنعكس على خارطة التكتلات التجارية العالمية.
وقد تم احتساب مجمل التبادل التجاري من خلال جمع الصادرات و الواردات عدا قطاع الخدمات.
وشكل في الولايات المتحدة 3.82 تريليون دولار في حين بلغ هذا المؤشر في الصين 3.87 ترليون
دولار في الفترة ذاتها.
ويرجح خبراء ان يتقدم الاقتصاد الصيني على منافسه الامريكي بحلول عام 2017 متخطيا حاجز 20
ترليون دولار.
سرقة الأسرار
وتشير الامور الى ان العلاقات بين واشطن وبكين قد تدخل مرحلة صراع النفس الطويل.
وبدا ذلك من خلال حروب الإنترنت الالكترونية وهى بوابة جدية للصراع الأمريكي من خلال
الحرب الجاسوسية وسرقة الملكية الفكرية بما فيها الأسرار التجارية باهظة التكاليف.
فيما قال مسؤولون أمريكيون في قطاع الصناعة إن سرقة الصين للأسرار التجارية الأمريكية القيمة
التي يتم الحصول عليها في كثير من الأحيان من خلال هجمات إلكترونية متطورة باتت مشكلة أكثر
خطورة .
وكانت الصادرات الأمريكية إلى الصين قد زادت منذ انضمام الثانية إلى منظمة التجارة العالمية في
عام 2001 وهي الآن ثالث أكبر سوق خارجي للبضائع الأمريكية.
وتتبع الصين شبكة واسعة من السياسات التمييزية التي تمنع الشركات الأمريكية من القيام بمبيعات
واستثمارات إضافية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ودعت غرفة التجارة الأمريكية ومجلس الأعمال الأمريكي الصيني إلى "معاهدة استثمار ثنائية" من
شأنها أن تفتح مجالات في الاقتصاد الصيني لاستثمارات الشركات الأمريكية.
العودة إلي أعلي
الصين: خطر المستقبل..
كل وثائق الأمن القومي الأمريكي الصادرة منذ عام 2001، تكرر جميعاً بلا كلل أو ملل أن الصين
لن تكون "الحليف الاستراتيجي" للولايات المتحدة، بل خصمها ومنافسها الأول في القرن الحادي
والعشرين، والبنتاجون نفسه يبني الآن كل خططه العسكرية على هذا الأساس.
الوثيقة الأمنية اليابانية التي اعتبرت هي الأخرى، وللمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، أن
الصين "تشكّـل مصدر قلق للأمن القومي الياباني"، وهذه حصيلة ستكون لها مضاعفات كبرى على
مسألة إعادة تسليح اليابان بدعم أمريكي.
محاولات واشنطن الحثيثة لإنهاء ورطة الهند مع باكستان في جنوب آسيا، الهدف: تحويل الهند إلى
قوة كبرى قادرة على موازنة الصين في شرق آسيا.
الجهود الأمريكية المكثفة لتطويق الصين بقواعد عسكرية في كل مكان: من بحر الصين وتايوان
واليابان، إلى بحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى، مروراً بمحاولة إجهاض كل مساعي الصين
لتأمين خطوط إمدادات طاقة آمنة لاقتصادها السائر نحو العملقة.
وتعلّق دورية "فورين أفيرز" على هذه المعطيات بقولها: "إن انتقال القوة من الغرب إلى الشرق،
يحث الخطى بشكل سريع، وسيغيـّر قريبا، على نحو درامي، إطار التعاطي مع التحديات الدولية.
العديد في الغرب واعون سلفاً لنمو قوة الصين، بيد أن هذا الوعي لم يترجم نفسه إلى استعداد، وهنا
يكمن مكمن الخطر بأن تكرر القوى الغربية أخطاء الماضي".
في حين تقول ( فاينانشال تايمز) "الصين تقود الطريق في سباق التنمية الاقتصادية، وتدشن نوعاً
آخر أوسع وأقوى من العولمة، إنها بدأت تهدد التفوق الأمريكي".
بالطبع، المخاوف الأميركية من الصين ليست من دون أساس. فاقتصاد هذه الدولة لا يزال ينمو بأكثر
من 9% سنوياً، ويحتمل أن يستمر كذلك لعقود مقبلة. وإذا ما تمكّـنت الصين من مواجهة التمزقات
الضخمة التي يتسبب بها النمو الرأسمالي السريع ، مثل الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن،
والمستويات العالية من البطالة والديون المصرفية الكاسحة، فإن اقتصادها سيكون الأكبر في العالم
بعد عشر سنوات، وبالطبع، القوة الاقتصادية ستميل لترجمة نفسها سريعاً إلى قوة عسكرية وسياسية.
ويقول محللون أمريكيون من أنصار هذا الفريق، إنه لو لم تقع أحداث 11 سبتمبر 2001، لكانت
أمريكا والصين تقفان الآن على شفير هاوية المواجهة كخصمين إستراتيجيين، لا كشريكين تجاريين
وأمنيين (ضد الإرهاب)، كما هو الحال الآن.
ويؤكد المحللون ان مثل هذه الحصيلة ليست قفزة تنبؤية في عالم افتراضي، بل هي قراءة فريقا من
المحافظين القوميين والمحافظين الجدد.
فهذا الفريق كان، ولا يزال، يطل على الصين بوصفها منافسا جدّياً محتملا للزعامة الأمريكية في
العالم، تماما كما كانت ألمانيا في النصف الأول من القرن الماضي (مما تسبّب بحربين عالميتين)،
وكما كانت روسيا في النصف الثاني من القرن نفسه (مما تسبـّب بحرب عالمية ثالثة باردة).
في النموذجين ، كانت ألمانيا وروسيا تحاولان العثور على مكان تحت الشمس في النظام العالمي
القائم آنذاك، وتسعيان إلى الانتقام من مظالم تاريخية لحقت بهما، بيد أن أمريكا الصاعدة بدورها
كانت لهما بالمرصاد، وقصمت ظهرهما في حروب وسباقات تسلح مدمّرة.
وبالتالي، حين يقارن المحافظون والمحافظون الجدد صين القرن الحادي والعشرين بألمان وروس
القرن العشرين، يكون الهدف واضحاً: الحث على توجيه "ضربات إستباقية تاريخية" للصين قبل
أن تنمو إلى الدرجة التي تبدأ فيها بتهديد النظام العالمي الأمريكي.
والشعار الذي يرفعه هؤلاء (وفق "فورين أفيرز")، هو أن: "الحقيقة الإستراتيجية الراهنة في آسيا،
تدل على وجود مصالح حيوية متنافرة للغاية بين الصين وأمريكا، ستدفعهما في النهاية إلى أن تكونا
متنافستين. وتبعا لذلك، الأجدى أن نستبق الأمور، قبل أن يسبقنا الصينيون إليها".
العودة إلي أعلي
رهان الولايات المتحدة..
أرجأ 11 سبتمبر إذن، رسم خطوط المجابهة بين هذين العملاقين، لكنه لم يلغه. فالمخططون
يتابعون تخطيطاتهم ضد الصين، حتى وهم في ذروة اندفاعاتهم الشرق أوسطية، بل يعتقد بعض
المحللين، ، بأن جزءاً أساسياً من اندفاع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير، هدفها إحكام
الطوق على الصين، وهذا واضح بشكل كامل في الحصون التي تقيمها واشنطن الآن على عجل في
آسيا الوسطى على مرمى حجر من الصين ، وواضح بشكل أقل في سيطرتها المباشرة على نفط
العراق، الذي كانت الصين المتعطشة بشدة إلى الطاقة على تحويله (جنبا إلى جنب مع نفط آسيا
الوسطى والسودان) إلى احتياطي إستراتيجي لها.بيد أن هذا ليس كل ما في جعبة الأمريكيين ضد
الصينيين.
ففي وسع واشنطن لعب ورقة اليابان ضد الصين، مستفيدة من الحقيقة التاريخية بأن هاتين الدولتين
كانتا تنهضان دوما على حساب بعضهما البعض. فلأكثر من خمسة آلاف سنة، كانت الصين هي
القوية والغنية، فيما اليابان هي الضعيفة والفقيرة. وحين حققت اليابان نهضتها المذهلة في أواسط
القرن التاسع عشر، نجحت أساسا لأن العملاق الصيني كان مخدرا بحرب الأفيون البريطانية،
ومدمّرا بحروبه الأهلية الداخلية.
الرهان الامريكي هنا واضح: آسيا الصاعدة لن تستطيع مواصلة صعودها برأسين، صيني وياباني،
لابد لأحد الرأسين في النهاية من أن يتخلص من الآخر.
وفي مقدور أمريكا تحريك الهند ضد الصين عبر اعتماد الأولى، كبريطانيا جديدة في آسيا، وتزويدها
بالعتاد والثقة بالنفس الكافيتين لمنازعة بكين على زعامة منطقة آسيا - المحيط الهادي.
وهنا أيضا الرهان واضح: فهذان العملاقان لا يثقان البتة ببعضهما البعض، وخلافاتهما الحدودية
المستمرة منذ 50 عاما، لم تحل بعد. كما أنهما يتنافسان على أسواق واحدة، ومجال حيوي
إستراتيجي واحد.
ثم أنه يمكن لواشنطن تفجير العديد من الأزمات الإقليمية في تايوان وشبه جزيرة كوريا وكشمير
وجزر جنوب بحر الصين، إضافة إلى تأجيج الخلافات الداخلية داخل الزعامة الصينية من خلال
إرهاق بكين في سباق تسلّح يستنزف طاقاتها ويفجر تناقضاتها السياسية والاقتصادية.
الا ان الطرف الآخر أقل قلقاً من الأول. فهو على ثقة كاملة بأن القوة الأمريكية الاقتصادية
والعسكرية والسياسية، ستبقى كاسحة إلى درجة تمنع الصين، أو حتى أي ائتلاف بين الدول الكبرى،
من تحدي الزعامة الأمريكية لعقود عدة من الآن. لذا، يدعو هذا الفريق إلى مواصلة العمل لدمج
الصين في منظومة النظام العالمي بدل استعدائها.
وأبرز منظّـري هذا الفريق هو جون إيكنبيري، البروفسور في جامعة جورج تاون، الذي أعد دراسة
لـ "مجلس الاستخبارات القومي" الأمريكي تحت عنوان "ردود الفعل الإستراتيجية على التفوق
الأمريكي"، وهذه أبرز النقاط:
1- القوة العالمية الأمريكية عسكرياً وتكنولوجياً وثقافياً وسياسياً، هي إحدى الحقائق الكبرى لعصرنا،
إذ لم يحدث قبل الآن أن حاز أي بلد على مثل هذه القوة التي لا منازع لها. وقد أدت عولمة الاقتصاد
العالمي إلى تعزيز الهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية، بدون أن يبرز في وجهها أي منافس
إيديولوجي.
2- ما يمكن تسميته بصعود "الأحادية القطبية" الأمريكية، زعزع السياسات العالمية، وجعل كل
الدول الأخرى تقلق من اللا أمن الذي يتدفّـق من الفجوة الهائلة بين قوتها والقوة الأمريكية. وهكذا،
العالم يجد نفسه الآن في خِـضم عملية تأقلم كبرى، حيث تحاول الدول معرفة كيف سيعمل نظام
عالمي مركزه قطبية أمريكية أحادية، وكيف ستستخدم الولايات المتحدة قوتها الفائقة.
3- من غير المرّجح، أن تثير الأحادية القطبية الأمريكية ردا تقليدياً شاملاً، يستند إلى مبدأ ميزان
القوى. الدول الكبرى (روسيا، والصين، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، واليابان) ستحاول المقاومة أو
التحايل أو مجابهة القوة الأمريكية، حتى وهي منغمسة في العمل معها، لكن من غير المحتمل أن
تنتظم هذه القوى في تحالف مناوئ لأمريكا يقسم العالم إلى معسكرات متصارعة ومتنافسة. لأن
الظروف التي كانت تسمح بتطبيق مبدأ ميزان القوى الذي تتحالف فيه القوى الضعيفة ضد القوة
الأقوى، لم تعد متوافرة. لم يعد من الممكن الآن جمع قوى كبرى في ائتلاف لتحدي الولايات
المتحدة، وأيضاً لأن القوة الأمريكية نفسها لا تثير تهديدات بما فيه الكفاية تدفع باتجاه العمل لخلق
ميزان قوى معها.
4- ولأن الدول الكبرى الأخرى ستجد صعوبة في تحدي القوة الأمريكية، فإنها ستلجأ إلى إستراتيجية
من عنصرين: الأول، الاعتراض على بعض السياسات الأمريكية بهدف الحصول على مكاسب أكبر
أو المشاركة الجزئية في القرار الأمريكي (كما تفعل الآن روسيا والصين وفرنسا). والثاني،
الرضوخ والاسترضاء أي الانضمام إلى الفريق الرابح، (كما تفعل بريطانيا ومعظم دول العالم).
وفي كلا هاتين الحالتين، لن يكون ثمة مجال في الأمد المنظور لبروز قوة كبرى أو تحالف دول
لتحدي زعامة الأحادية القطبية الأمريكية.
العودة إلي أعلي
مستقبل القرن
فأي الفريقين ستكون له اليد العليا في أمريكا.. ما لم تنشب أزمة كبرى مفاجئة في شرق آسيا، أو
يحدث انقلاب ما في التوجهات الإستراتيجية الصينية من التركيز على الاقتصاد إلى الاهتمام
بالسياسة، سيكون الفريق الثاني هو السائد، وسيواصل دفع الولايات المتحدة للعمل على إغراء
الصين، اقتصاديا، لحثها على البقاء في الفلك الأمريكي سياسياً وإستراتيجياً، وهذه الحصيلة يعززها
الاعتماد المتبادل بشكل متزايد الذي بدأ يظهره الاقتصاد، الصيني والأمريكي، إزاء بعضهما
البعض، وأيضاً السهولة التي بات يحل بها قادة البلدين خلافاتهما السياسية، كما حدث في قمة
واشنطن الصينية - الأمريكية التي أنتجت الاتفاق المبدئي على تجريد كوريا الشمالية من سلاحها
النووي.
انقسام ونزاع
وظهر الانقسام بين الصين والولايات المتحدة بشأن كيفية إنهاء اراقة الدماء في سوريا ونزع فتيل
التوتر في بحر الصين الجنوبي ومناطق مضطربة أخرى في العالم لكنهما اكدتا على الأمل في إقامة
علاقات متوازنة بينما تقتربان من تغييرات سياسية في الداخل.
وتعهدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الصيني يانغ جيه تشي
بحسن النوايا بعد محادثات سبقتها انتقادات من بكين لدعوة كلينتون للتوصل إلى حل متعدد الأطراف
للنزاعات على الأراضي في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، وقالت كلينتون للصحفيين
إن مثل تلك الخلافات لن تعوق بالضرورة التعاون بين البلدين.
وقالت بعد محادثات مع يانغ في صالة الشعب الكبرى ببكين "أنا فخورة جدا بقوة وصمود ما بنيناه
معا في علاقتنا"، وأضافت كلينتون "هذا يجعل من الممكن بالنسبة لنا الحديث عن أي شئ والتوصل
إلى سبل لبحث القضايا بشكل صريح ومباشر" وتابعت أن الجانبين لن تتطابق رؤاهما بشأن كل
القضايا التي تمثل جزءا من علاقتهما الكبيرة.
كما صور يانغ العلاقة بين البلدين بشكل إيجابي قائلا إن التعاون بينهما ممكن ما دام هناك "احترام
متبادل للمصالح والمخاوف الرئيسية" للآخر، وقال يانغ "أثبت التاريخ والحقائق مرارا أن الصين
والولايات المتحدة بينهما مصالح متداخلة"، وأبرزت تلك التصريحات الجهود التي بذلها الجانبان
لاحتواء النزاعات خاصة بينما يركز كل منهما على السياسة المحلية.
وأشادت كلينتون بالصين لمساعدتها في الضغط على إيران بسبب أنشطتها النووية وتحدث يانغ
بنبرة معتدلة بشأن سوريا عندما وازن بين المعارضة للتدخل الخارجي والدعم "للتحول السياسي"،
وقال موقع وزارة الخارجية الصينية على الانترنت إن الرئيس هو جين تاو قال لكلينتون "الصين
مستعدة للحفاظ على الحوار وتعزيزه والتنسيق مع الولايات المتحدة"، وأضاف "الحفاظ على التنمية
المتواصلة للروابط الاقتصادية والتجارية الصينية الأمريكية له أثر مهم على البلدين وكذلك على
إنعاش ونمو الاقتصاد العالمي."
ولم يقدم أي من الجانبين تنازلات في النزاع ببحر الصين الجنوبي والذي أصبح قضية مثيرة للتوتر
مما يظهر الريبة في بكين من أن إدارة أوباما تسعى للحد من النفوذ الصيني بالمنطقة، وثار غضب
الصين على وجه الخصوص من دعم الولايات المتحدة اقتراحات بالتوصل إلى حل متعدد الأطراف
للنزاع في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي إذ تفضل بكين أن تتفاوض بشكل فردي مع كل
دولة تخوض نزاعا مع الصين بالمنطقة، وقال وزير الخارجية يانغ للصحفيين "فيما يتعلق ببحر
الصين الجنوبي فإن موقف الحكومة الصينية متسق وواضح. للصين سيادة على الجزر في بحر
الصين الجنوبي والمياه المتاخمة"، وأضاف "ليس هناك منطقة تتقاسم فيها الصين والولايات المتحدة
مصالح مشتركة ... مثل منطقة آسيا والمحيط الهادي"، وأكدت كلينتون أكثر من مرة أن الولايات
المتحدة لم تتخذ موقفا بشأن النزاع بالمنطقة لكنها تريد من الصين ودول جنوب شرق اسيا التوصل
إلى ميثاق شرف لتجنب الاضطرابات.
وقالت كلينتون إنه "لا يخفى على أحد" أن الحكومة الأمريكية شعرت بخيبة أمل من موقف كل من
الصين وروسيا بخصوص سوريا وأكدت أن أفضل مسار ما زال قيام مجلس الأمن التابع للأمم
المتحدة بإجراء صارم، وقال يانغ أيضا إن حكومته تعارض سعي أي بلد بما في ذلك إيران لصنع
أسلحة نووية، ومضى يقول "نعتقد أن على الأطراف أن تستمر في التحلي بالهدوء ومواصلة الالتزام
بالمفاوضات الدبلوماسية."
ومن الأمور الأكثر إلحاحا مطالبات الصين الإقليمية وخاصة في بحر الصين الجنوبي و أيضا فيما
يتعلق بحدودها مع الهند وجهودها من أجل توسيع نفوذها ليشمل الدول المجاورة .
هذا التوجه سوف يجبر الولايات المتحدة الأميركية على التفكير في مخاطرتين كبيرتين، المخاطرة
الأولى هي المواجهة والتي يمكن أن تحدث بشكل مباشر أو كنتيجة لانجرار الولايات المتحدة
الأميركية للصراعات بين الصين وجاراتها.
أما المخاطرة الأخرى فهي أن اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين وتايلاند وميانمار يمكن أن
يدوروا في الفلك الإستراتيجي للصين.
إن العديد من تلك البلدان يتطلع إلى الولايات المتحدة الأميركية كثقل متوازن إذا حاولت الصين
فرض هيمنتها محليا ولكن بعض تلك الدول سوف تخلص إلى نتيجة مفادها أن من السلامة التقرب
من الصين بدلا من الابتعاد عنها نظرا لأن اقتصادات تلك الدول تعتمد بشكل كبير على التجارة مع
الصين.
لقد أظهرت الأحداث الأخيرة في بحر الصين الجنوبي والشرقي أن الصين تحاول أحيانا أن تلوي
ذراع جاراتها. الامر الذى يجعل الولايات المتحدة الأميركية قد تحتاج أن تدافع عن حلفائها
ومصالحها وذلك من خلال المقاومة وهذا يتطلب تعديل تلك الأفعال حتى تخفف من المخاوف
الصينية.
إن أحد الطرق لعمل ذلك هو فهم الدوافع الصينية, فاندفاع الصين لتولي القيادة الاقتصادية والسياسية
في شرق آسيا وزيادة قدراتها العسكرية هناك هو أمر حتمي ولكن بإمكان العالم أن يشعر بالثقة بأن
أمريكا سوف تبقى أقوى وأغنى وأكثر نفوذا في الشؤون الدولية من الصين حتى سنة 2030.بحسب
محللين ..
وقد يتطلب هذا عدم انخراط أمريكا في ردات فعل مبالغ بها والتي يمكن أن تشعل تدهورا في
العلاقات الثنائية مثل ما حدث بين بريطانيا العظمى وألمانيا قبل الحروب التي حصلت في النصف
الأول من القرن العشرين.
على ذلك يرى المحللين ان أفضل طريقة لتجنب المواجهة بين واشنطن وبكين هي التعاون فيما
يتعلق بالتهديدات الخارجية المشتركة وخاصة الانتشار النووي والتغير المناخي الدولي والتطرف
الإسلامي
وبينما من المحتمل أن تحتفظ الولايات المتحدة الأميركية باليد الطولى فيما يتعلق بالقدرة العسكرية
لمدة 15-20 سنة على الأقل فإن وقوع حرب غير تقليدية وغير متماثلة يمكن أن تؤثر سلبا على
أفضلية أمريكا وخاصة إذا قررت الصين الانخراط في هجمات إلكترونية على الأنظمة الإلكترونية
وأنظمة الأقمار الصناعية الأميركية مع هجمات على البنية التحتية.
ويقول محللون إن الرد على قدرة الصين على عرض قوتها في أماكن تبعد مئات الأميال عن
حدودها يستوجب أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتطوير قاذفات طويلة المدى قادرة على
اختراق الدفاعات المعقدة وتتمتع بقوة كبيرة وبينما تتحول المصالح الأمنية الأمريكية إلى منطقة
المحيط الهادي فإن الأميريكيين يعتمدون الآن على قواعد برية متقدمة أصبحت أكثر عرضة للهجوم
وأساطيل حاملات طائرات مع طائرات تكتيكية بإمكانها الانخراط في القتال ضمن قطر يبلغ 300-
500 ميل (482 -805 كلم). لكن وجود قاذفة بعيدة المدى هي أكثر فعالية من حيث الكلفة مقارنة
بقاذفات المواجهة وصواريخ كروز وبخلاف القاذفات التكتيكية القصيرة المدى فإن قواعدها لن تكون
معرضة للهجوم.
بالرغم من ذلك فإن التحدي الأكثر خطورة الآن كما يرى البعض هو ترتيب أمور الاقتصاد
الأمريكي وكيفية إدارة ذلك الاقتصاد .
ولكن بدون تمكن أمريكا من تحقيق ذلك فإن احتمالية وقوع متاعب بين الولايات المتحدة الأميركية
والصين سوف تستمر في الزيادة.
ويرى "جوزيف س. ناي" الأستاذ في جامعة هارفارد، أن الولايات المتحدة بعد أن أهدرت العقد
الأول من القرن الحادي والعشرين، في حربين بائستين في العراق وأفغانستان، بدأت تنتبه لما يحدث
في آسيا. مبيناً أن القرار الذي اتخذه الرئيس أوباما بإرسال ألفين و500 جندي من مشاة البحرية
الأمريكية إلى قاعدة "داروين" في شمال أستراليا، هو إشارة قوية إلى ذلك التحول الجديد، إذ إن "
عودة آسيا إلى مركز الشؤون العالمية هوالتحول الأكبر للقوى العظمى في القرن الحادي
والعشرين".
كان مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق اوضح أن اليابان والهند أدركتا أخيرا أن الشراكات
الاقتصادية الأكثر استقرارا على مستوى العالم، كانت مبنية على قاعدة متينة من التعاون الأمني،
وباعتبارهما بلدين يفتقران إلى الطاقة، ويعتمدان بشدة على واردات النفط من الخليج العربي،
يشعران بالقلق البالغ من محاولات سيطرة "الصين" البحرية على إمدادات الطاقة وطرق نقلها،
فضلاً عن قوتها العسكرية المتنامية، ولهذا السبب وافق البلدان على البدء في إجراء تدريبات بحرية
وجوية مشتركة بداية من عام 2012، بالإضافة إلى التعاون المشترك في مجال الدفاع الصاروخي
مع الولايات المتحدة وإسرائيل على التوالي، من أجل الحفاظ على الاستقرار في المحيطين الهندي
والهادي.
وحسب مستشار أوباما للأمن القومي، فإن هذا التحول باتجاه آسيا والشرق الأدنى معناه أن أجزاء
أخرى من العالم لم تعد على الدرجة نفسها من الأهمية، خاصة أن السياسة الخارجية الأمريكية
ابتليت على حد تعبيره على مدى العقد الماضي بالحرب في العراق وأفغانستان، فضلاً عن "فوبيا"
الإرهاب وتنظيم القاعدة، والانتشار النووي في إيران وكوريا الشمالية.
مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير الخارجية الأشهر في مرحلة الحرب
الباردة، هنري كيسنجر، رأى أن تحول موازين القوة في القرن الحادي والعشرين،
في المجال الاقتصادي، وربما السياسي العسكري، من الغرب للشرق، يمهد الطريق
للحرب العالمية الثالثة، التي سيكون طرفاها روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة
أخرى.
وتنبأ كيسنجر في حوار مع صحيفة "ديلي سكيب" اليومية، التي تصدر في نيويورك،
بأن هذه الحرب لن يخرج منها منتصرا إلا الولايات المتحدة. رغم أن واشنطن أخطأت عندما تركت
الصين تضاعف من قدراتها العسكرية، وروسيا حتى تتعافى من الإرث الشيوعي، وتندمج في
الاقتصاد الرأسمالي، وهو الأمر الذي جعل كلاً من الصين وروسيا "قوة عظمى"، إلا أنه أضاف
يبدو أن هذا الشعور المبالغ فيه بتلك "القوة" سيكون سببا في سرعة زوالهما.
ويؤكد كيسنجر أيضاً أن أصحاب القرار في الولايات المتحدة أصدروا تعليمات للقوات المسلحة
باحتلال سبع دول شرق أوسطية بطرق غير مباشرة، من أجل استغلال مواردها الطبيعية، خصوصاً
النفط والغاز، مشيرا إلى أن السيطرة على البترول هي الطريق للتحكم في دول المنطقة، والسيطرة
على الغذاء هي السبيل للسيطرة على شعوبها.
العودة إلي أعلي
حرب سرية
ويقدر خبراء أن حروبا سرية كثيرة تدور أساسا ومنذ مدة ليست بقصيرة بين الولايات المتحدة
وحلفائها من جهة، والصين وروسيا وحلفائهما من جهة أخرى.
ولم تقر حكومة الولايات المتحدة رسميا إلا في الآونة الأخيرة بتطويرها أسلحة إلكترونية، كما أنها
لم تعترف قط باستخدامها.
وكانت قد وردت أنباء عن هجمات في وقت من الأوقات على أجهزة كومبيوتر شخصية يستخدمها
أعضاء "القاعدة"، وعن هجمات يجري التفكير فيها على أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم في أنظمة
الدفاع الجوي في عدد من دول الشرق الأوسط وباكستان، بما فيها هجمات خلال الحرب الجوية
بقيادة "ناتو" على ليبيا سنة 2011.
سلاح ذو حدين
أفاد تقرير تم إعداده للكونجرس الأمريكي أن مؤهلات الصين في مجال التجسس عبر الانترنت "
التجسس الإلكتروني" بلغت مستوى يمكنها معه أن تشكل خطرا على الجيش الأمريكي في حال
نشوب نزاع بين البلدين.
والتقرير الذي أعدته مجموعة "نورثروب جرومان" الأمريكية للدفاع لحساب لجنة مراجعة
العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الصين والولايات المتحدة، يوضح أن الجيش الصيني يولي أهمية
كبيرة "لحرب المعلومات".
وقال التقرير إن "قادة الجيش الصيني أدرجوا الفكرة القائلة إن نجاح معركة يستند إلى قدرة مراقبة
المعلومات والأنظمة المعلوماتية للخصم".
وأضاف أن "خبراء الجيش الصيني يحددون بطريقة منهجية البنى التحتية اللوجستية وأنظمة القيادة
والمراقبة ومراكز الثقل الاستراتيجية للولايات المتحدة التي سيهاجمونها بطريقة شبه أكيدة في
الدرجة الأولى في حال نشوب نزاع".
ويحذر التقرير بذلك من أن الكفاءات الصينية في هذا المجال "متقدمة جدا إلى حد أنها تطرح خطرا
حقيقيا على العمليات العسكرية الأمريكية في حال نشوب نزاع" مع بكين، وعلى سبيل المثال "
لحماية تايوان".
وذكر التقرير من جهة أخرى أن الشركات الصينية التي تقيم بعضها شراكات أجنبية تقدم لها
التكنولوجيا، تسمح للجيش الشعبي الصيني أن يكون في المقدمة في مجال الأبحاث والتكنولوجيا في
هذا المجال.
ان التحول في تركيز استراتيجية الولايات المتحدة يعتبر خطوة للمواجهة مع الصين. بالرغم من
النفي الرسمي العلني الأمريكي لمحاولة احتواء الصين، توجد شكوك واسعة حول الأجندة الخفية
لواشنطن خلف تلك الاستراتيجية ومنها مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في منطقة أسيا الباسيفيك.
هذا التحول في الاستراتيجية يعكس “اعترافا” بتصاعد أهمية تلك المنطقة بالنسبة لأمن وثروة
أمريكا في المستقبل بالإضافة إلى نفوذها في العالم.